المقـامَـــة الـبوليسـيـــة
فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ
ومن عرف الأيام معرفتي بها
فليس بمرحوم إذا ظفروا به
وبالناس روى رمحه غير ظالم
ولا في القضا الجاري عليهم بآثمِ
الأفكار الإبليسيه ، ما تردها عن العبد الهراوى البوليسيه ، بل تردها الأذكار، كما وردت عن المختار ، ولكن البوليس ، عمله نفيس ، إذا قام بالواجب ، وحمى الناس من كل سالب وناهب . وفي الآثار : عينان لا تمسهما النار ، عين بكت من خشية الجبار ، وعين باتت تحرس الديار ، ولو لم يكن في البلاد بوليس وشرطه ، لوقع الناس في ورطه ، وسوف يأكل القوي الضعيف ، ويعتدي السخيف على الشريف ، وتوزع الناس إلى أحزاب ، وكسر كل باب ، ولقفز اللص من الدريشة ، ولملّ الناس العيشة ، وسمعت دوي الرصاص ، وصاح الناس هل من مناص ، وصار أمن الناس أضحوكة ، لأنه مهدد بعصابات محبوكة ، وأصبح الليل ، يزحف كالسيل ، بكل ويل ، وتحولت الأسواق ، إلى عذاب لا يطاق ، فيسلط الله البوليس ، على جنود إبليس ، لأن من لا يردعه القرآن ، أدبه أعوان السلطان .
أرهب بسيف الله كل مكذب
فالسيف داء للخلي من التقى
متهتك في الزور والبهتان
ومكذب الآثار والقرآن
فالذي هجر المسجد ، وذهب يعربد ، وهدّد أمن الناس وتوعد ، ليس له إلا سوط حار ، أو سيف بتّار ، ليكون عبرة لغيره من الأشرار ، ولكن على من حك العين أن لا يدميها ، لئلاّ يكون حاميها حراميها ، بل يتقي الله البوليس في العباد ، ويكون همه إصلاح البلاد ، ليعم الأمن والأمانة ، والهدوء والصيانة .
ورضي الله عن عمر ولله دَرّه ، لأنه كان في يمينه دِرّة ، أغلى من الدُّرة ، يؤدب بها من عصاه ، ويضرب بها من رفض الحق وأباه . وعمر أول من أنشأ العسة في البلد ، لردع من فسد ، وقد أحضروا له رجلاً فاسد الفكر ، ظاهر النكر ، لبّس على الناس في الدِّين ، ليكونوا مرتدين ، فزجره عمر وفضحه ، وضربه بالدرة وبطحه ، وأذهب من رأسه بهراوة السلطان ، وساوس الشيطان ، فلما أفاق الرجل من الغيبوبة ، ودماؤه مسكوبة ، صاح في رأسه مؤذن التوحيد ، أصبحنا وأصبح الملك لله الحميد ، فهذا العلاج الجذّاب ، والدواء المذاب ، يصرف من صيدلية عمر بن الخطاب :
يا ناسف الظلم ثارت هاهنا وهنا
فظائع أين منها زندك الواري
واعلم أن من الناس طائفه ، ليست من ربها خائفه ، لا تجدي فيهم النصائح ، ولا يخافون الفضائح ، وإنما ينفع فيهم عصا خيزران ، كأنها ثعبان ، تلف على الأكتاف والأمتان ، حتى تدمع من حرها العينان ، ويصيح المضروب : الآن حصحص الحق وبان .
السوط فيه مواعظ ونصائح
ما ضمها لوح ولا ديوانُ
لغة سيفهمها غبي مارد
ما في حشايا قلبه إيمانُ
فإن لم يردع السوط من سلبْ ، ولم ترد العصا من نهبْ ، فالسيف أصدق أنباءً من الكتبْ .